الليلة الخامسة
( أحلك ليالي
مصر ظلمة وظلاما ..
وأشدها عتمة وسوادا )
الذين يعيثون فساداً في الأرض ..
والعابثون الذين يدعون الحق ..
هؤلاء الذين يخربون مصر ..
هؤلاء جهلة الحق ..
هؤلاء الذين أخطئوا في حق مصر ..
الريس
نور وهؤلاء الذين يحرقون مصر ..
يأتي البحارة ، يتقدمهم شوقي الخربوطلى
ووراءه حزين رحيل طايل ثم دعبس الزيات (
منصور الزيات )ورفاعي الزمار ..
وهم منكسون رءوسهم جميعاً ..
الريس نور وهو ينظر إليهم وإلى أيديهم
وقد ملأها السواد وكان أكثرها سوادا يد شوقى الخربوطلى ..
فيناديه الريس نور .. تعالى هنا يابنى..
فيتقدم شوقى الخربوطلى ويقدم للريس
التحية وهو يدنو منه ..
شوقي .. نعم ياريس ..
الريس نور .. يابنى كما قلت لزملائك
هؤلاء الذين يعتلون السلام .. دعونى أقود مصر وأقود السلام وعندما أصل إلى البر
تعالوا وإإتوا ببرهانكم وتعالوا نجلس سوياً ونتحاسب لنرى ماذا قدم كل منا لمصر؟!
ومن أفاد مصر ويتقدم بها ومن خربها وأخرها ؟!
فيتقدم حزين رحيل طايل .. وكان قصير
القامة بشكل ملفت .. وهو يفتح عينه ويقفلها فى حركة تحس أنه لايستطيع فيها أن
يواجه الريس نور ولكن ما فى قلبه من كره وحنق هو الذى يحركه وهو الذى يدفعه إلى أن
يتقدم ليقول أى كلام لايأتى من العقل ولكن يأتى من قلب ملئ بالزيف والسواد .. مليء
بالحنق والكره حتى أن الجسد الذى يحمل هذا القلب أن من حمل هذا القلب تعب من هذا الذي به من حنق وكره وأن العقل الذي
يعلو هذا الجسد لايعرف لماذا كل هذا الحنق والضغينة والضغائن والأحقاد ولكنها
قلوب؟! ..
بل إن صاحب هذا الجسد والعقل (إن كان
هناك عقل) والقلب (إن كان هناك قلب) صاحب الجسد ذاته لايعلم لماذا يكره الريس
نور؟! ولأى شئ يكرهه؟! أهو حب للسلطة؟! حتى وإن أتيت إليه السلطة لايعرف ماذا
سيفعل بها؟! وكيف سيقود المركب التى استولى عليها؟! والتى لن يستطيع فيها البحارة
أن يطيعوا فيها أوامره؟! أم لمال يريد أن يجمعه ؟! أم لنساء يريدهن يوماً أن
يلتفتن إليه؟! ولكنه حقد وكره لمجرد الحقد والكره وغباء لا يخرج إلا من غباء..
تقدم حزين رحيل (وليته كان رحل عن هذا المركب قبل أن يرتقيها
والريس نور عليها) (ولكن يا ليت لم تكن ولم يرحل وكانت وبقى .. وكانت وصارت أمراً
محتوماً )
وصار على السلام أربعة من أشر البشر يرأسهم
الأشرم وصار على مصر أربعة أكثر شراً وغباءاً وحنقاً يتقدمهم شوقي الذي سيغدر
بالريس نور وطايل رحيل الذي سيطول الريس نور فيما بعد و لكنه سيرحل إلى قاع
التاريخ كما كان إسمه رحيل ..
تقدم طايل والحنق والغباء والكره يملأه
.. نعم نحن لا نريدك على هذا المركب ؟! .. ارحل يا أخى دعنا نحن نقود المركبين ..
طلال ودعبس .. نعم ارحل عن هذا المركب
..
الريس نور وهو يتحدث لحزين وهو يجول
بعينيه بين طايل وطلال والزيات وهو يبتسم
لهم .. ولكن لماذا لاتريدوننى على المركب ؟!
ثم وهو ينظر لحزين .. يا..؟! .. ما
إسمك؟!
حزين طايل .. وهو لازال يغمض عينه
ويفتحها .. دعك من إسمى .. ماذا ستفعل به ؟! ارحل .. قلت لك ارحل ..
الريس نور .. يا إبنى أرى الكره والحقد
فى عينيك .. وكما أرى ذلك أراك وأنت تمسك بمعول تضرب به مصر .. وتريد أن تغرقها
أنت ومن معك .. ولكن يا إبنى بقدر سماحتى معكم وسكوتى على تطاولكم وبذاءتكم وأنتم
تريدونى يا من لا تعرفون كيف تخدمون مصر؟! .. وتريدون أن تقودوها هكذا بين عشية
وضحاها ؟!.. بقدر هذا ولكن اعلم ياولدى أننى بقدر سماحتى هذه إلا أننى سأضرب بيد
من حديد على كل من يتطاول على مصر .. وكل من تسول له نفسه أن يختار طريق غير الذي
اخترته لمصر وتختاره مصر معي ..
طايل .. طريق الخراب ياريس نور ..
الريس نور وقد علاه غضب كما لم يعلوه
غضب كهذا من قبل وهو يقف فى وجه هذا الرحيل ويقترب منه وهو يصرخ فى وجهه .. إخرس
يا ولد ..
حزين رحيل .. وقد ارتبك واصفر وجهه وزاد
من غلق عينه وفتحها ورجع إلى الوراء وهو يقول بصوت مضطرب بعد أن كان يصرخ فى الريس
منذ قليل ..
حاضر .. حاضر .. حاضر ياريس نور .. أمرك
..
الريس نور .. اخرس أيها الولد القليل
الأدب .. إن سماحتى معك جعلتك تتطاول على .. على سنين عمرى التى قضيتها في وعلى
هذه المركب .. تتطاول على خبرتي وعلى شيبتى
وعلى الأهوال التي رأيتها وأنا أقود هذا المركب .. ماذا رأيت أنت؟! أين كنت وأنا
أخوض أعالى البحار وأركب الأمواج وأصارع البحر وظلماته وظلامه وسجنه وقلاعه؟!..
أين كنت؟! كنت فى بطن أمك؟! أو كنت لا زلت تحبو؟! وربما لم تكن قد ولدت بعد ؟!
وتأتى أنت لتتطاول على ؟!
أحد البحارة وقد ضايقه تطاول رحيل على
الريس نور ..اجعلنى ياريس أقتل هذا الفسل القصير المكير ؟! لاقتلعنه من جذوره إن
كان له جذور أو لأرمينه فى البحر تلقفه القروش والثعابين ..
حزين طايل .. وهو يجرى ناحية الريس نور
ويرتمى عند قدميه وهو يبكى ..
أنقذنى يا ريس .. إنقذنى ..
الريس نور .. وهو ينظر لطايل .. قم يا ولدى
.. قم .. إننى أبدا لا أرضى لأحد من أولادي أن يذل أو يهان.. قم ياطايل وأنظر إلى
..
فيقف طايل وهو يرتعد ولكنه لا يستطيع أن
ينظر إلى الريس نور ..
الريس نور وهو ينظر إلى طايل .. إنظر
إلى ياولدى .. أنظر ..
طايل وهو ينظر إلى الريس نور .. ولا زالت
عينيه تفتح وتقفل .. نعم ياريس ..
الريس نور وقد لاحظ عينيه وهى تقفل
وتفتح على غير إرادة منه ..
أنظر إلى يا طايل .. آه .. إنك لاتستطيع
أن تنظر إلى .. إن نفسك ياولدى تحاول أن تخفى ما تظهره لى .. إنك ياولدى تكن لى
كره وحنق لم أره فى أحد من البشر .. ولكن الله المستعان على ماتصفون .. أنظر إلى
يا طايل .. فيحاول طاير أن ينظر إليه جاهداً
الريس نور .. هل تتحدث إلى أبيك كما
تحدثت إلى منذ قليل؟!
طايل .. ليس لى أب..
الريس نور .. هل أبوك ميت ؟!
طايل .. أحسبه كذلك ؟!
الريس نور .. آه .. هذه مسألة أخرى ..
ولماذا تحسبه كذلك؟!
طايل .. إنه كافر .. كافر .. ويفتح عينه
وتعود ذات الحركة ثانية بشدة إلى عينيه ..
الريس نور .. أنت الذي كفرته .. وأنت
الذى أمته ؟!
آه .. وأنتم الثمانية الذين كفرتونى؟!
وأنتم الثمانية الذين ستقتلونى؟! إذن هو ذاك إذن؟!
طايل .. لا .. لا ..
الريس نور .. ليكن مايكون .. وأنا لن أحاسبكم
على ما بداخلكم أو نيتكم تجاهى .. ولكنى سأحاسبكم على ماستفعلونه فى مصر وفى
السلام .. أتفهم؟! هنا فقط سيكون عقابى وسيكون عقابى عظيم لأى منكم .. كان من كان
.. وكما قلت لاخوانكم على المركب السلام .. سأضرب بيد من حديد على كل من يريد مصر
بسوء .. أتفهم ؟!
مصر فقط هى التى سأحاسبكم عليها ؟! أتفهم
؟! مصر فقط ؟! أما خطأكم فى حقى سأترك مصر هى التى تحاسبكم عليه .. وسأتركه لله
ولقضائه ..
والآن امضوا وإياكم أن تعودوا وتعبثوا
بمصر ثانية وقولوا لإخوانكم الذين يعبثون بالسلام إياكم .. ثم إياكم..أن تعبثوا
بالسلام..
فيمضون جميعاً إلا شوقي الخربوطلى الذي
يقترب من الريس نور وهو يسأله ..هل حقاً يا ريس أنك أمرت بحبس أخى على مركب
السلام؟!
الريس نور .. وهو يشعل غليونه وقد علا
وجهه بعض الضيق من هذا السؤال..
الريس نور .. من قال لك هذا؟!
الخربوطلى .. أسمع هذا ؟!
الريس نور .. لا .. لم أحبس أحداً إلى
الآن .. ولكن إذا عادوا وفعلوا أى شئ يضر بأمن مصر وسلامتها سأعود وإن لم أفعلها
طيلة حياتى وأحبس أى إنسان ..
وكما قلت لكم منذ قليل .. كان ما كان ..
أتفهم كان من كان .. المهم عندى مصر .. والمهم أن أقودها لبر الأمان .. لبر السلام
.. وأي إنسان سيعوقني عن ذلك الآن سأعاقبه أو أحبسه ولو إلى حين .. حتى أمضى بمصر
وبكم إلى بر الأمان .. ساعدوني في ذلك يا أولاد ..
شوقي وهو يهم بالإنصراف فيناديه الريس
نور ويقول له .. ياولدى .. أنتم لا زلتم شباب مصر أريد خيركم لمصر .. لا أريد أحداً
من الداخل أو الخارج أن يغرر بكم .. أنتم
أولادى الصغار وأنا مثل والدكم .. سأسامحكم إن أخطأتم فى حقى مرة واثنين وثلاث
وأربعين ولكن لمصر عليكم حق .. ولمصر على حق .. وإن كنت أتهاون فى حقى لن أتهاون
فى حقها وحق رجالها ونسائها وأطفالها .. حق شعبها .. إنصح إخوانكم ياولدى وانصح أخوك
الذى على المركب الآخر ..
قلت لى ما إسمه ..
شوقى .. إسمه مندور السماوى
الريس نور .. ولكن يخيل إلى أن إسمك غير
ذلك ..
شوقى .. نحن من أم واحدة ..
الريس نور .. آه .. فهمت .. ثم يعود
الريس نور إلى حديثه الذى بدأه .. قل له أنت أنه
ليس بيني وبينكم عداوة وأنها مصر هى التى بينى وبينكم .. إن وضعتوها فى
أعينكم وضعتكم فى عينى .. وإن أردتم لها شراً فلن أرحمكم .. أتفهم؟! .. لن
أرحمكم؟!
شوقى وهو يمضى وهو يرتجف مسرعاً .. نعم
.. نعم .. ياريس ..
المعلم حسن وهو يقترب من الريس نور وهو
يراه لا زال غاضباً ..
ألن ترحمهم بجد ياريس ؟!..
الريس نور وهو ينتبه لوجود حسن .. حسن
.. ماذا قلت ؟!
المعلم حسن .. قلت لك ألن ترحم البحارة
هؤلاء الذين يخربون مصر بجد ياريس ؟!..
الريس نور .. آهو كلام ياحسن يابنى
أقوله لأهددهم وخلاص .. لكن فى الآخر هم أولادي .. ولكنى أريد أن يرجعوا ويرتجعوا
ولا أعرف هل هناك جهة وراءهم تغرر بهم وتشجعهم أن يضروا بمصر ؟! أخاف من هذا؟!
(ثم ينظر إتجاه الشرق) .. ثم ينظر إلى
السماء اللهم أهد القوم الضالين .. اللهم ردهم إلى طريقك .. طريق الحق المستقيم ..
الريس نور والمعلم حسن .. اللهم آمين ..
اللهم آمين..
ويمسح الريس نور بيديه على وجهه بعد
الدعاء .. وينظر فإذا به يرى البحار الذى أصلح الراديو وهو يهبط مصر بعد أن أتى من
السلام وقد أصلح ما خربه فيها المعتدون فينادى عليه الريس نور وقد انشرحت أساريره
لرؤيته .. تعالى ياابنى .. أدن منى .. فيدنو منه البحار .. نعم ياريس ..
الريس نور وهو يبتسم فى وجهه .. ما إسمك
يا ولدى ..
البحار .. إسمى عبدالمنعم ..
الريس نور .. الله خير الأسماء ماعبد
وما حمد .. ولكنى أريد اسمك كاملاً ..
عبدالمنعم .. عبدالمنعم واصل يا ريس ..
الريس نور وقد ابتسم حتى ظهرت أسنانه ..
الله .. الله .. عبدالمنعم واصل .. خير الأسماء إسمك وأيضا واصل .. ثم وهو ينظر
للمعلم حسن .. أنظر ياحسن يا بنى .. عبدالمنعم وواصل .. إنه خير الأسماء وأيضا
واصل وهو يصل بنا إلى بر الأمان إن شاء الله .. لقد صلح الراديو وهاهو يصلح المركب
ويصلح محركها ليصل بنا إلى ما نريد واسمه عبده وواصل ..يا الله .. يا الله ..
المعلم حسن .. لا .. وله أخ معنا على
هذا المركب ..
الريس نور وقد علا وجهه بعض الاضطراب ..
أخ آخر على هذا المركب .. ثم وهو يضحك مضطربا.. أوعى يا حسن يكون من هؤلاء؟!
المعلم حسن وهو يضحك .. لا .. لا .. إنه
ليس من هؤلاء !!
الريس نور وهو ينظر إلى عبدالمنعم واصل
..
وما إسم هذا البطل .. إنه بطل لأنه أخيك
ياولدى..
عبدالمنعم واصل .. إسمه .. محمد عبدالله
..
الريس نور وهو يضحك .. أهو الآخر أخيك
من الأم ؟! ..
عبدالمنعم وقد ظهر عليه بعض الغضب وهو
يقول لا بصوت عالى .. لا ياريس إنه من أب واحد وأم واحدة وهذا إسمه محمد عبدالله
واصل
الريس نور .. آه فهمت .. فهمت ثم وهو
يربت على ظهر عبد المنعم .. ولكنى لا أظن أنني سمعت بهذا الإسم معى على المركب؟!..
عبد المنعم .. ولا أحد يعرف إن إسمه
محمد عبدالله سوى المعلم حسن .. هو وحده الذى يعلم عنا كل شئ ..
الريس نور وهو ينظر للمعلم حسن .. إيه
الحكاية ياحسن ؟!
المعلم حسن .. أصل محمد عبدالله معروف
هنا على المركب باسم سعد أبوريده ولا أحد يعرفه باسم محمد عبدالله ..
الريس نور .. آه فهمت ..
المعلم حسن .. والأدهى ياريس إن أخوه
التوأم .. لو شفته متفرقوش عن عبدالمنعم أبداً .. فوله وانقسمت نصين حتى أكثر من
الفوله نفسها فى الشبه ..
الريس نور .. ياه .. وهو يشعل غليونه
ويفكر .. معقولة دى وعلى المركب دى معايا وأنا معرفش ..
المعلم حسن .. لا ياريس .. أنا خليت
واحد هنا وواحد هناك .. والإثنين بيصلحوا أى حاجة .. ربنا يبارك فيهما ويبارك في
أبوهم وأمهم ..
الريس نور .. وهو ينظر لعبدالمنعم ..
وسعد شاطر زيك يا واصل ..
عبدالمنعم واصل .. ينظر للأرض خجلاً ..
المعلم حسن .. لا يا ريس عبد المنعم
أشطر .. فعبد المنعم مفيش حاجة أمرته بها إلا وجه وقاللى تمام وكان مخلصها ..
الريس نور .. والبحارة عارفينهم من بعض
عارفين إن عبدالمنعم هنا وعبدالله هناك ..
المعلم حسن .. بقولك ياريس لو جبنا ده وودينا
ده هناك محدش يعرفهم من بعض أبدا .. أبدا ..
الريس نور .. سبحان الله .. ثم يعود
ويشعل غليونه .. وينظر إلى حسن .. إنت عارف ياحسن يا إبنى .. أهو كما الأرض ترمى
فيها الحب وهى طين .. فاهم طين .. ولكن بعضها يخرج زهور وبعضها يخرج قمح وبعضها
يخرج برسيم .. وكله من ذات الطين عارف بأقولك ده ياحسن ..
المعلم نور .. عارف ياريس .. أيضا بطون
الأمهات مش زى بعضها ولا البذور زى بعضها ياريس ..
الريس نور .. آه ياحسن .. إنت فاهمنى
وباستريح كثير لما يكون حد فاهمنى .. وفاهم أنا باعمل إيه وعلشان إيه .. وياريت
غيرك يفهموا إنه كله علشانها ياحسن .. كله علشانها ..
المعلم حسن .. فاهمين ياريس ومصر فاهمة
والرجالة فاهمة .. واللى مش فاهم النهاردة بكره يفهم .. ومتضايقش نفسك ..
الريس نور .. فهمهم ياحسن يابنى ..
فهمهم ..
المعلم حسن .. إن شاء الله ياريس .. إن
شاء الله ..
الريس نور .. آه لو يفهموا إنى باعمل
لهم مش ضدهم .. حتى لو كان الظاهر إنه ضدهم إنما هو لهم .. لهم ..
المعلم حسن .. فاهمين ياريس ..
الريس نور .. إنت عارف ياحسن .. نفرض إنني
أصدرت قرارا بحبس هؤلاء .. الناس مش هتفهم إننى باحبسهم عشان خاطر مصر .. ولكن
هتفهم إننى باحبسهم علشان خاطر أحبسهم مع أنى أنا ضد الحبس وضد تقييد الحريات ولكن
أحيانا كامل الديمقراطية وكامل الحرية تعوقك عن تكملة المسيرة .. ماذا تفعل فى حرية وديمقراطية أعطيتها لأناس
بعضهم لم يزل لم يفهم ماهى حدوده وواجباته؟!
آه .. ياريت ميجيش يوم أضطر فيه لأن
أعاقب هؤلاء الأولاد الصغار عقاب يظنونه أو يظن غيرهم أنه ضد صالحهم .. ويا ريت
يفهم هؤلاء أو ينظروا لأبعد شوية أنه لصالح مصر هو الذى أفعل ؟!
ثم ينظر إلى المعلم حسن فجأة .. قولى
ياحسن لو أنا أصدرت أمراً باعتقال هؤلاء؟! داخل نفسك هتقول عنى إننى أعمل لصالح
مصر ولا ضد مصر ..
المعلم حسن .. أعرف ياريس نور أنه لصالح
مصر ..
الريس نور .. وإذا قدر لى أن أموت هل
ستستمر فى حبس هؤلاء الذين حبستهم وقلت
أنهم يعملون ضد مصر ؟!..
المعلم حسن .. يا ريس .. سأفرج عنهم ..
الريس نور .. وقد باغتته إجابة المعلم
حسن .. ليه يا حسن ؟! ..
المعلم حسن .. علشان مصر برضه ياريس .. علشان
كلنا نبقى واحد .. والمركب لازم يبقى واحد ..
الريس نور .. آه .. صح يا حسن .. صح
ياولدى .. بورك فيك ويشعل غليونه وينظر للبحر الذى أمامه برهة ثم يعاود وينظر لحسن
..
ولكن يا حسن افرض أنهم قتلونى (وأحسبهم
سيفعلون ذلك .. وأظن أن أول الضربات وأول
الطعنات وربما القاتلة منه أظنها ستكون من يد هذا ذو العيون التي ترتعش) افرض أنهم
قتلوني وأنا في عرض البحر ومازالت مصر تعتركها أمواج البحر المتلاطمة ومازالت
السلام متعثرة .. ماذا ستفعل ؟!
المعلم حسن .. سأنتظر حتى تعود مصر
بالسلام وأقدم هؤلاء للقضاء ليصدر فيهم حكمه العادل ..
الريس نور .. وقد باغتته أيضاً إجابة
المعلم حسن ..
آه .. لهذا إخترتك ياحسن .. ومصر فى المرحلة
التى بعدى بحاجة إلى واحد مثلك .. رجل لا تحركه الانفعالات .. ويحركه العقل ..
فمصلحة مصر فوق كل اعتبار ثم يعود ويجلس أمام دفة المركب ويقود الدفة وهو يشعل
غليونه وذات الصمت .. فيتقدم حسن ويأخذ الدفة منه فى هدوء .. لأنه أحس أن الريس
نور مجهد قليلاً ..
إجلس أنت يا ريس فأراك متعب قليلا ..
الريس نور وهو يجلس بجوار حسن ويشاهده
وهو يقود .. نعم .. نعم يا حسن .. سأجلس قليلاً وقد أنت .. ولكن إجعل الدفة هكذا
ويمسك بيده ويضع يده على الدفة .. نعم .. نعم .. هكذا .. ولا يشغلنك شئ فى البحر
عن مصر يا حسن .. وعن السلام ..
المعلم حسن .. حاضر ياريس ..حاضر ..
ثم المعلم حسن وهو يقود ثم وهو ينظر
للريس نور الذى لازال يشعل غليونه ولا يزال الصمت يعلو وجهه هو وتجاعيد السنين ..
المعلم حسن .. ولكن قل لى ياريس .. هل
تظن إنهم ارتجعوا ..
الريس نور .. أبدا يا حسن .. لا .. ولن
يرتجعوا ..
المعلم حسن وكيف عرفت ؟!
الريس نور .. إنت شفت عيون طايل؟!
المعلم حسن .. عيون طايل ؟! وماذا في
عيون طايل ؟!
الريس نور وهو يضحك .. إنها خبرة سنين
ياحسن .. خبرة سنين..
المعلم حسن .. طيب ولكن قل لى ياريس
..كيف عرفت من يخرب السلام ؟!
لقد حددت أسمائهم جميعاً كأنك كنت تعرف
أنه سيحدث هذا؟!
بالوقت والثانية والأسماء؟! وتعرف حدث
ممن وما قد يحدث وسيحدث ممن ؟!
الريس نور وهو يمسك بيد حسن .. نعم ..
نعم .. مل بالمركب ناحية اليمين قليلاً .. هكذا ..
المعلم حسن .. ثم كيف عرفت هؤلاء الذين
خربوا مصر؟! إنك أيضا عرفتهم بالاسم ؟! وحددت أسمائهم وكنت متأكد أنهم هم ؟!
الريس نور .. وقد بدأت الإبتسامة تعلو
وجهه ..
إنها خبرة السنين ياحسن ياولدى ألم
تسمعنى أقول لهم هذا ؟!.. إنه البحر والقلاع والأمواج والظلام والظلم و الليل الذي
يعقبه النهار ..
المعلم حسن .. لا بجد يا ريس قل لي ؟!
الريس نور وهو لا زال يبتسم .. ألم أقل
لك ياحسن .. إنها خبرة السنين ؟!
المعلم حسن .. والله ياريس لأنت قايل ..
الريس نور .. وقد علت الضحكة شفتيه ..
إنه شيء قلت لك وحدثتك عنه مرات ومرات يا حسن ..
المعلم حسن .. وما هو ؟!
الريس نور وهو يضحك .. مصر ياحسن .. مصر
..
المعلم حسن .. بالفعل ياريس أنت مخلص لمصر
كما لم يخلص لها أحد ولذلك ترى كل مصر من قلبك وقبل أن يراها الناس ..
ولكن اسمح لى ياريس أقوللك كلمة
ماقولتهاش لك قبل النهاردة ..
الريس نور.. قل يا حسن .. فأنت ابنى
ومهما تفعل أو تقل أبدا لن أزعل منك ..
المعلم حسن .. أقولها يا ريس وهتسامحنى ؟!
الريس نور.. هسامحك يا حسن ..
المعلم حسن .. إنك كما قال أحدهم .. إنك
.. إنك داهية ..
الريس نور وهو يضحك حتى يسعل ماذا ؟!
ماذا تقول يا حسن ؟! داهية ؟!
المعلم حسن .. داهية لم تنجب مصر مثلها
..
الريس نور وقد زاد ضحكه وسعيله ويقع منه
غليونه حتى كاد هو أن يقع على ظهره .. إنها أول مرة ياحسن تقل لي ذلك ..
المعلم حسن .. أعمل إيه من اللى باشوفه من
دماغك دى ؟!.. اللى لا لها أول ولا آخر ؟!..إيه ده يا ريس نور ؟!.. إيه ده ؟!
الريس نور .. وهو لا زال يضحك ..
ماقلتلك يا حسن يا بنى .. ثم وهو يكح من كثرة الضحك ويحاول أن يتكلم فيخرج الكلام
من صدره محشرجا ..
مصر يا حسن .. مصر ..
وتمضى السفينة مصر تخطر فى البحر
والظلام يلفها من جهاتها الأربعة .. ولا زال الريس نور يقول مصر بذات الحشرجة وذات
الألم ..
مصر يا حسن .. مصر .. مصر ..