الأربعاء، 3 ديسمبر 2014

الليله الرابعه ..... الليله التي يليها الظلام... هناك من يعبث بمصر




 

الليلة الرابعة

( الليلة التي يليها الظلام )

 

هناك من يعبث بمصر ..

ويخرب السلام ..

 

جلس الريس نور على كرسيه فى مقدمة المركب وهو يشعل غليونه ويدخن ويطلق دخانه الذي يتصاعد في صمت كذات الصمت الذى يعلو وجه الريس نور .. جلس يشاهد المعلم حسن وهو يقود مصر أمامه والمعلم حسن يقود ومن حين لآخر ينظر إلى الريس نور فيجده لازال منشغلا فى فكره وغارق فى صمته ..

المعلم حسن .. فيما تفكر ياريس ؟!

الريس نور .. لازال صامتا؟!

المعلم حسن .. ريس نور .. فيما تفكر؟!

الريس نور وهو ينظر إليه بذات الصمت الذى على وجهه .. عندما أفكر ياحسن يابنى .. فإننى لا أفكر إلا فيها .. فمصر هى التى فى خاطرى .. وهى التى فى دمى .. وأنا أفكر فى هذه الرحلة .. وأريد أن أعود كما عودتكم منها ظافراً ويعود معي أولادي وقد رضيت نفسهم بما حققناه لهم ومعهم..

المعلم حسن .. أنت قائدهم وقائدى وأبيهم وأبى رضاك عنا هو الذى يرضينا ..

أحد بحارة المركب ينادى على الريس .. ياريس .. هنلحق نعيد مع الأولاد ياريس ..

الريس وهويبتسم ابتسامته الرقيقة التى يفتح فيها شفتيه فتظهر أسنانه بيضاء كبياض موج البحر الذى يتهادى على جانبى المركب وهو يلوح للمركب مصر ولريس مصر كما اعتاد

 الريس وهو يضحك إن شاء الله ..

البحار .. معك كل أيامنا عيد ياريس .. عيد أننا عدينا البحر وعيد ونحن نعبر القناة .. وعيد لمصر أنك عليها وعيد للسلام أنك تقوده ..

الريس وهو ينظر إليه من أعلى المركب وأنت ياولدى ما إسمك ..

البحار .. وهو يضحك عالياً إسمى عيد يا ريس .. إبنك عيد ..

الريس نور والريس حسن وهما يضحكان عاليا ..

عيد إسمك عيد؟! ده إنت اللى عيد لنا ..

وفجأة يصرخ البحارة على المركب السلام ..

يا ريس نور .. السلام بتعطل .. السلام بتعطل .. ياريس ..

الريس نور وقد تجهم وجهه .. وظهر القلق على وجهه الأسمر الرقيق وفى عينيه الصامتتين وغابت البسمة التى كانت تملأ وجهه وعقد حاجبيه الذي يتناثر هنا وهناك بعض خصلات بيضاء شاردة كشرود ذهنه الآن ..

الريس نور .. السلام .. هذا ما أخافه ؟! وأخاف أن يكون هناك من يعبث به ؟! .. وأخاف أن يكون هذا الشعور الذى بداخلى .. والذى يتملكنى هو الصحيح؟!

المعلم حسن .. ماذا نفعل ياريس ؟!

الريس نور .. دعنا نقترب منها وهناك نرى ..

المركب مصر تقترب من المركب السلام .. ويهبط الريس نور من مصر إلى السلام .. وينزل إلى غرفة الماكينات لينظر ماذا هناك؟!

الريس نور .. للبحار أبوجبل المسئول على الماكينات .. ماذا هناك يا ابوجبل؟!

أبوجبل .. لا أدرى ياريس .. فجأة تعطلت وإحنا كنا طالعين البحر وكله تمام ..

الريس نور .. وأنا متمم على المركب بنفسى وأنا فحصت كل شيء ..

أبوجبل في توتر بالغ .. لا أدرى .. لاأدرى؟!

الريس نور لأبوجبل .. هل دخل غرفة الماكينات أحد غيرك ياأبوجبل؟!

أبوجبل .. لا .. لاأحد .. ثم وهو يتذكر أحد الأشخاص ..

نعم .. نعم .. ولكنه يعود وقول .. لا .. لا ..

لا أريد أن أظلم أحدا ..

الريس نور .. لا .. لا أريدك أن تظلم أحدا ولكن تأكد من كل كلمة تقولها .. ماذا هناك ياأبوجبل ؟!

تعالى معى ويأخذه إلى احد جوانب المركب حتى لا يسمعه أحد من البحارة ..

أبوجبل .. لا أدرى ياريس .. لا أدرى .. ربما رأيت أحد من البحارة الجدد يخرج من غرفة الماكينات .. لا أدرى .. لا أدرى ..

الريس نور .. ومتى رأيت ذلك؟!

أبوجبل .. من ساعتين أو أكثر ..

الريس نور .. إجمع البحارة كلهم على ظهر المركب وأنا سأعرف يا أبوجبل .. لقد قلت لك يا أبوجبل من قبل أن نبحر .. بلاش هذه المجموعة .. وهاهو ذا كلامي يتحقق ولكنكم ضغطتم على أنت والحارة وقلتم أنه الرزق ولولا ذلك ما قبلت هذا أبدا

أبوجبل .. ربما أكون مخطئا ياريس .. وربما يكون ظنى ليس فى محله ..

يقترب بحار يدعى سمير فاضل ويسمع آخر جزء فى الحوار فيعرف أن الريس نور يعاتب أبوجبل على البحارة الجدد ...

فيرد على الريس نور .. ربما كان الغرض نبيل ياريس ..

الريس نور .. أحيانا تكون أكبر المصائب من أصغر الهفوات..

البحارة وقد اجتمعوا على ظهر المركب ..

الريس نور .. وهو يرتدى زيه الأبيض وهو يمر على البحارة ثم يطلب أن يصافحهم واحدا بعد آخر ..

البحارة وقد اصطفوا كلهم وهو يصافحون الريس واحدا بعد الآخر ..

الريس نور .. وهو يصافح أحد البحارة الجدد فيجد يده بها زيت من الماكينة .. فيأخذه إلى أحد جوانب المركب .. ما إسمك ياولدى؟!

البحار .. إسمى مجدى سالم فرج

الريس نور .. هل أنت من الذين صعدوا على السلام مع الثمانية الذين صعدوا إلى مصر والسلام؟!

البحار .. نعم ياريس ..

الريس نور .. نادى على بقية زملائك ..

فرج وهو ينادى على زملائه .. مندور السماوي وكرم زاهد وكامل حبيب ..

الريس نور .. وهو ينظر إلى أيديهم .. فيجدها ملوثة بالزيت ويعلوها السواد ..

الريس نور .. لماذا تخربون السلام يا أولاد ؟!

كرم زاهد .. نحن لم نخرب شيئاً ..

الريس نور .. إنكم تجنون على أنفسك وعلى مصر وعلى أولادى الذين جاءوا معى ..

مندور السماوى .. وكانت شفته العليا مشقوقة بوضوح لدرجة أن بعض زملائه ينادونه بمندور الأشرم .. إنما نعمل لصالح مصر ..

الريس نور .. وهل صالح مصر هذا الذى تعملونه ؟!

كامل حبيب .. نحن أدرى بما نفعله ..

الريس نور .. لا .. لستم أدرى بما تفعلونه.. .. لا .. بل نحن .. بل أنا الريس نور الذي يدرى وأنا الأعلم وأنا الأدرى ..

مندور الأشرم ..لا .. بل نحن أدرى .

ويرد سالم فرج .. نعم .. نحن أدرى ..

ويرد زميله كرم حبيب.. نعم .. نحن أدرى ..

الريس نور .. وهو يسألهم .. كم قضيتم على مركب مثل هذه فى البحر يا أولادي؟! ..

الأربعة وهم ينظرون لبعض .. ولا أحد يرد ..

الريس نور .. هل قدتم مركب مثل هذه فى هذا الخضم ؟!.. وفى هذا البحر ؟!.. هل قدتموه في النهار أو قدتموه في الليل ؟!..

كامل حبيب .. لا .. ولكننا نستطيع أن نقوده ..

الريس نور .. إذن لن أقول لكم لا .. لا تقودوا ..

ولكن لى سؤال واحد .. إلى أين نحن ذاهبون ؟!

سالم فرج .. لا ندرى؟!

الريس نور .. إذن كيف تقودوا وأنتم لاتدرون إلى أين نحن ذاهبون؟!

نحن ذاهبون إلى شواطئ اليمن يا أولادى حيث الرزق الوفير .. وعندما أقول أن الماء هناك بكر لم تطأها بعد مراكب صيد كثيرة .. إذن فأنا خضت كل تلك البحار وأعلم أين الوفير؟! وأين غير الوفير؟! وأعلم  الأفضل لكم؟! ولكن لي سؤال آخر .. لنفرض أننى قلت لكم أننى ذاهب إلى اليمن أو أى بلد آخر .. هل تعلمون ماهى المسافة التى سنقطعها؟!

البحارة وهو ينظرون لبعض .. ولايجيبوا ..

الريس نور .. وأى عقدة سنسير؟! ..

البحارة .. لا رد ..

الريس نور .. وأى الموانئ التى سنقف عليها والتي سنمون منها ؟!وأيها تلك التي سنملأ خزانات الوقود منها؟! ..

البحارة .. لا رد ..

الريس نور .. وأى وقود وكم جالون .. وكم من الماء سنأخذه معنا ..

البحارة .. لا رد ..

الريس نور ..وأى الموانئ آمن لنا ولنا معه مصالح نقف ونمون منه ؟! وأيهم الأخطر علينا ولا نقف عنده ولا مصالح لنا معه ؟!..

البحارة .. لا رد ..

الريس نور .. ولمن نبيع ولمن نشترى من التجار؟! ..

البحارة .. لا رد ..

الريس نور .. وأى طرق البحر آمن لمركبنا مصر ومركبنا السلام ؟!..

البحارة الأربعة .. لا رد ..

الريس نور .. أولادى إن القيادة لا أن تقفزوا على المركب وتقودوها .. فأنتم بهذا تخربوها .. إنكم ليست لديكم خطة لأى شئ وأى شئ .. إنكم فقط تفكرون فى صالحكم ولا أظنه أيضا صالحكم ولا صالح أنفسكم .. هناك الكثير الذى لا تعلمونه ولن تعلمونه .. إنها سنوات عمر وكفاح قضيتها فى هذا البحر .. وسنوات عمرى وكفاحى هى من أجلكم  .. أنتم .. من أجل مصر .. دعونى أذهب وأعود بكم ولكم .. دعوني إن لم يكن من أجلكم فمن أجل هؤلاء وهؤلاء من شعبى الذين لا ترونهم وأراهم ..

الأربعة وهم مطأطئون الرأس ..

سالم فرج .. ولكنا نريد أن نقود المركب مصر ..

الريس نور .. وهو يقترب منه .. يابنى صدقنى لو أعلم أنكم خير منى لفعلت ذلك قبل أن تقولها .. ولكن انتظر وشاهد وتعلم .. أنظر البحارة الذين على المركب كلهم أولادى وكلهم تعلموا .. فتعلم منهم ..

مندور الأشرم وهو يغمز بعينيه لزملائه .. نعم .. نعم .. لننتظر ونتعلم ..

الريس نور وهو يشاهده ويشاهد غمزه ولمزه ولكنه تظاهر بأنه لم يشاهده :

وأيضا لتعلموا أنني أعطيكم هذه الفرصة لأنكم بمثابة أولادى .. ولكن لايغرر بكم أحد من الداخل أو الخارج .. وإن لم تفعلوا ستكون لى معكم وقفة أرجو أن لا أضطر إليها .. كل الذى أريده منكم أن تجعلونى أرسم البسمة على أولادى الذين على ظهر مصر والسلام .. وأى أحد سيعوقنى عن ذلك .. هو يعمل على أن يعوقنى عن أداء عملى ويشتت فكرى وذهنى .. وأنا لا أريد لكم إلا الخير والأمان ..

كرم زاهد .. وهو لم يعد يعلم أيكون مع الأربعة على رأيهم أو مع الريس نور وهو يحس بصدق كلام الريس نور وإخلاصه وخوفه عليهم؟! ..

 ماشى يا ريس .. ربما تكون قد فتنا بأنفسنا ولكن معك الحق ولن نعود إلى تلك الفتنة مرة أخرى ..

الريس نور .. وقد ابتهجت أساريره بعض الشئ لكلام زهدي .. نعم يا ابنى والله لا أريد إلا صالحكم .. لا أريد أن يغرر بكم أحد .. أمامنا تحديات كثيرة وواجبات أكبر ..  وأعداء في البحر وأعداء فى البر ولا أحد يعلم .. أنا أعرف وأعلم منكم بهذا ولكن ليس كل ما أعرفه وأعلمه سأقوله .. إتركوا لى مصر واتركوا لى السلام ولا تخافوا ستصلون معي إلى بر الأمان إن شاء الله ..

كرم زهدى .. معك ياريس ..

الريس نور .. وقد بدأت الابتسامة تعود له ثانية .. أنتم أولادى .. وربنا يبارك فيكم ..

مندور الأشرم بشفته التى يعلوها القطع والتى يقسمها إلى نصفين كل نصف منهم كريه الشكل .. ولكن كيف علمت ياريس أنه نحن ؟!

الريس نور .. إنها خبرة سنين يا أولادي ؟! وأستطيع أن أقول لكم من الذى فعلها ؟! ولكني لا أريد أن أقول  ؟! وأعرف من سبب هذه الفتنة والذي أوحى إليكم بخرابها يقولها وهو يقترب من سالم فرج ..

سالم فرج ..في ارتباك واضح ورعشة بدأت تضرب يديه ورجليه .. وهل تعرفه؟!

الريس نور وهو يبتسم فى وجهه .. أعرفه ..

سالم فرج وهو يكاد يغمى عليه .. تعرفه ؟!

الريس نور .. ولكن لن أقول إسمه .. ولن أفشى ما فعله للبحارة حتى لا يؤذونه ..

سالم فرج وهو يكاد يتداعى .. إذن من هو ؟! لا ..  لا .. لا تقل من هو؟!

الريس نور وهو يبتعد قليلاً  ولكن تعتقد يا أخ فرج لماذا فعل هذا ؟!

فرج .. لا أدرى؟! إن كنت تعرفه اسأله ؟!

الريس نور .. لماذا لعب بماكينات السلام ؟!

فرج .. قلت لك لا أدرى ؟! لا أدرى ؟! ربما أحس أن ماكينات السلام تصدر صوتاً يدل على أن بها عطب فخيل إليه أنه يستطيع إصلاحها ؟؟!!

الريس نور وهو يقترب منه ثانية .. وهل يعلم ماهو الصوت السليم من الصوت الغير سليم فى السلام يا أخ فرج ؟!

فرج .. لا .. لا يعلم ..

الريس نور .. إذن قل له دع السلام لرجل السلام .. دع السلام لقائد السلام ..

فرج .. وهو يكاد يقع على الأرض مغشياً عليه .. سأقول له .. سأقول له .. ثم وهو يقترب من أذنه حتى لايسمعه زملائه .. ولكن أرجوك لا تقل لأحد من هو ؟!

الريس نور .. وهو يربت على كتفه فى حنان .. الآن لن أقول يا ولدى ولكن لا تعبث بالسلام ثانية .. لاتعبث ..

فرج .. حاضر .. حاضر .. سأفعل .. سأفعل ..

الثلاثة الآخرون وهو يتدافعون على فرج ماذا قلت للريس ؟! ماذا قلت ؟!

فرج وهو يتداعى على كرسي بجواره .. لا شيء .. لا شيء .. ثم فرج وهو ينظر إلى الريس نور فى ذهول .. إنه داهية .. إنه كما قالوا .. داهية ..

الريس نور وهو يمضى عنهم .. وفى طريقه إلى المركب مصر فيوقفه  أبو جبل وهو يقول العطب في السلام بزيادة  شوية يا ريس ولا أعرف كيف أصلحه ؟!

الريس نور .. وهو يبتسم لأبوجبل ..

سأرسل لك من مصر من يصلحه ..

أبوجبل .. من ياريس؟!

الريس وهو يبتسم ثانية وهو ينادى من المركب السلام على البحار الذى أصلح الراديو ويأمره أن ينزل إلى المركب السلام ويصلح العطب الذى بها ثم يمضى فى طرقة السلام الطويلة ويحييه البحارة الذين اصطفوا على جانبى السلام ..

ياريس نور .. نحبك .. تعالى قدنا .. قد السلام ..

الريس نور وهو يحييهم بابتسامته الرقيقة الهادئة ومصر يا أولادى ؟!.. ومصر ؟!

البحارة .. بنحبك يا ريس ..

ويصفقون له ويحييهم الريس وهو يرفع عصاه ..

ثم يسمع صوت من داخل مصر يصرخ عالياً هناك من يخرب مصر يا ريس ؟! هناك من يعبث بسلامتها..

الريس نور .. وقد علاه الفزع وظهر القلق واضحاً عليه أكثر من ذى قبل ..

مصر .. هناك من يخرب مصر؟!

والله لن يرى خير أبداً من يريد مصر بسوء ..

ويصعد إلى مصر وهو ينادى أأتونى بهؤلاء..أأتوني بهؤلاء الأربعة جميعاً..

وينادى على أربعة أسماء وهم: شوقي الخربوطلى وحزين رحيل  طايل و طلال دعبس الزيات  ورفاعي الزمار..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق