الليلة الثانية
( كلنا فداء
مصر )
الريس
نور يهتف : نعيش لمصر ونموت
لمصر
.. مصر .. مصر .. تحيا مصر ..
انطلق المركبان يعبران خليج السويس فى
طريقهما إلى البحر الأحمر ثم إلى سواحل
اليمن قرب مضيق باب المندب .. وجلس الريس محمد نور فى مقدمة المركب مصر وعلى رأسها
.. وكان يعطى الأوامر لبعض البحارة وبعض الصيادين الذين معه ويعطى الأوامر لمركب
السلام التى تتبعه عبر أجهزة اللاسلكى التى فى المركبين .. كان البحارة والصيادون
يعلمون من يقود المركبان ؟!ومن هو الريس نور؟! فكانوا فى طمأنينة للريس نور الذى
جلس بعد فترة على كرسى فى مقدمة المركب يشعل غليونه ويطلق سحبا متلاحقة من الدخان
فى الهواء ..كان البحر يتراقص أمامه والمركب تعلو وتهبط كأنها تعزف على أمواجه ..
وكانت زرقة الماء صافية صافية .. وزرقة السماء ضاحكة عالية .. وكانت الشمس مشرقة مشرقة وبعض سحب بيضاء ناصعة البياض تمشى وهى
تتدلل وتكاد تسفر عن وجهها الذى يضحك ويكاد البرقع الذى يغطى يضعا من وجهها
وجمالها يقع ويفصح عن جمالها .. جمال الشمس التى تشرق على مصر .. جمال السماء التى
أعلى مصر .. جمال ماء مصر .. والمركب مصر تسير وسطها تشق أمواجها وتعلو بحرها فى
كبرياء وشموخ وهى تتبعها السلام في ذات
الشموخ وذات الكبرياء والأمان ..
أخذ الريس نور يشعل غليونه بوجهه التى
تبرز فيه عظام وجهه والذي يعلوه صمت السنين وخبرة العمر الطويل .. كان ينظر إلى
البحر وإلى مصر .. وإلى السلام .. وهو فرح بأنه يقود مصر ويقود السلام ولولا هؤلاء
الشباب الصغير من البحارة والصيادين الذين أتوا معه وركبوا المركبين لكان الفرح
كبير .. إنه لايعرف لماذا يشعر بشئ من عدم الطمأنينة ؟! فهو لا يحب أن يغامر هكذا
بثمانية من الرجال الجدد فجأة معه .. ولايعرف لماذا يحس أن هناك شيئا فى أعينهم يكنونه
له؟! ماهذا الشئ؟! لا يدرى؟! ولكنه عاد وقال ربما كنت مخطئا ؟! وربما هذه أوهام
وأضغاث أحلام؟! دعهم معنا .. لربما يكون
لهم لقمة عيش معنا .. لا أحد يعلم؟! الله وحده هو الذى يعلم؟! ثم نظر إلى السماء
وهو يقول .. الله .. الله.. أحمدك يا الله على كل ما أعطيتنى .. أحمدك على كل شئ
وأى شئ .. أنت بديع السماوات والأرض .. وأنت الواحد .. وأنت الجبار .. ياه .. يا
الله كل هذه السماوات وكل هذه الأرض خلقتها؟! وكل هذه الأنعام خلقتها لنا ؟!.. يا
الله من نحن بالنسبة لهذا الكون؟! من نحن لهذا الفضاء الممتد؟! وهذه السماء
العريضة؟! حقا إن لخلق السماوات والأرض لأشد وطأة من خلق الإنسان.. ثم أخذ يكرر
الإنسان .. الإنسان .. أريد أن أقابلك بالله بنفس راضية مرضية .. لك الحمد فى
الأولى ولك الحمد فى الآخرة .. ولك الحمد أنك خلقتنى مسلما .. ولك الحمد أنك
جعلتنى أقود مصر .. وأقود السلام .. ولك الحمد أن هؤلاء البحارة يحبوننى ثم أطفأ
غليونه وهو يتذكر الله وعاد ينظر للبحر وهو يتنهد .. لكم أحبك يامصر .. ولكم أحبك
يابلادى .. إننى لم أحب بلد فى حياتى كما أحببتك .. إنك قضينى وهمى .. وهذه .. مصر
.. وهذا السلام.. هما اللذان يشغلاني .. ويشغلنى مصر ومن فيها ومن عليها .. يشغلنى
البسطاء من الرجال والضعفاء .. هم أهلى وناسى .. إن مصر كلها هى قلبى وفؤادى ..
وكل من عليها هو شاغلى وهمى .. أحبك يامصر .. أحبك يابحر .. وأحبك يانهر .. وأحبك
ياسماء مصر .. ويا أرض مصر ويارمل مصر .. وأخذت عيناه تدمع وقلبه يخفق وهو يقول
مصر .. مصر ..
أدار أحد البحارة أحد الراديوهات
الصغيرة المعلقة على سلك مربوط بأعلى المركب .. بعض من الراديوهات يعمل بالحجارة
وبعض منها وصل له البحارة المصريون سلك صغير من مولد الكهرباء بالمركب فأخذ يعمل
دون الحاجة إلى البطارية .. أدار البحار الراديو فلم يعمل فأخذ يبحث فيه وعن أسلاكه
ويقطع له سلكا من هنا وسلكا من هناك والريس نور يتابعه بعينيه الصامتتين
المتبسمتين كان يعلم أن البحار لن يسكت حتى يشتغل الراديو .. فهكذا المصرى يفعل
أشياء ويعمل أشياء بذكائه وفطرته لم يدربه عليه أحد فى العالم .. ولكنه وحده
يعملها .. ووحده عندما يصمم يفعلها .. لذا هو أذكى عقول العالم كافة ..
مهما قلت الدرجة العلمية لأى رجل مصرى
تجد أن له ذكاءا فطريا خاصا به .. فالمزارع فى حقله قد لايعلم الكتابة بتاتا ولكنه
في زرعه وفى حصاده وفى أدواته التى يكيفها لعمله له لغة خاصة معها حتى في تعامله
مع بهائمه له لغة خاصة وفكر خاص لن يجاريه فى العالم كله وبأسره فكر كفكره .. فما
بالك لو أتيحت لهؤلاء المزارعون الذين لم يزالوا يروا بكثير من الطرق القديمة منذ
قدم التاريخ ومنذ بداية التاريخ.. فما بالكم لو أطلعتموهم على التكنولوجيا الجديدة
والحديثة في العالم في الزراعة وتركتم لهم المجال لفاقوا كل العالم كافة حتى هؤلاء
الذين يصدرون لهم التكنولوجيا.. وكذلك النجارون والحدادون .. قد تجد نجارا لا يعرف
القراءة والكتابة ويصمم ويرسم وينفذ مايعجز عنه أى صانع فى العالم وكذلك الحداد
وقس على هذا كل شئ حتى ميكانيكى السيارات والقطارات والطائرات .. لابد وأن يضيفوا
لما صنع فى الغرب شئ خاصة بالمصرى .. لايضيفه إلا هم.. هم المصريون.. فتجد أقدم
أنواع العربات فى العالم كافة تسير فى شوارع مصر .. صحيح أنها تحدث مشاكل بتلويثها
للبيئة ومايصاحبها من ضوضاء .. ولكن المصرى هو الذى يجعلها تسير ويعمل قطع غيار
ثانية لها على ماكينة الخراطة التي في ورشته لعربته التى تسير منذ أن أنشأها أقدم مصنع قام باختراعها وربما تكون العربة
الأولى فى ذات المصنع .. وقس على ذلك اول
طائرة فى العالم لاتكهن عندنا أبدا بل عندنا لازالت تطير ومن قطع غيار نعملها لها فى
مصانعنا وأول قطار لازال يسير .. فنحن دائما نعشق الماضى ولا نكهنه بل فيه نسير
ونجعله يسير .. فنحن من معدن أصيل ..فتلك الآلة التي استخدمناها منذ زمن أبدا لا نرميها
عندما تأتى أحدث منها.. بل أيضا نجعلها تعمل لأننا نعرف أننا سنحن إليها .. فنحن
نحن إلى ماضينا دائما أكثر من الحاضر الذى نعيش فيه .. ودائما مايحلو لنا أن نفتح
ذاكرة الماضى ونفتح بابه لنرتمى داخله ونعيش ولايخرجنا منه إلا صوت الأولاد
والأحفاد والإحتياج للقمة العيش التى تدفعنا إلى أن نخرج من الماضى إلى الحاضر
لنواجهه ونسير فيه ونحن ننظر إلى وراءنا إلى الماضى فربما يأتي ويعود إلينا الماضى
أو نتمنى أن نعود إليه.. فماضينا هو ذكرياتنا وماضينا هو أحلى ماعشناه ولانعرف
لماذا؟! مهما كانت مغريات الحاضر؟! إلا أننا دائما وأبدا نشتاق إلى الماضى ونحن
إليه ونتمنى لو أن عاد بنا الزمن ما ذهبنا إلى الحاضر ولاعشنا فيه ..
أفاق الريس نور من ذكرياته مع الماضى
على البحار وقد أفلح فى تشغيل الراديو فابتسم وهو يقول لنفسه إنه المصرى كما أقول
.. وأشعل غليونه ونظر إلى الشمس التى بدأت تميل إلى الغروب وهى تضحك مع الريس نور وهى
تقول إنه المصرى .. إنه المصري كما تقول .. وكأن الراديو إستجاب لها فانطلقت
المغنية فى الراديو تقول ..
إن ما كنت مصرى ابن مصرى قول إيه إيه ..
أى مصرى ابن مصري الله عليه ..
فضحكت الشمس العالية وهى تقول فى صوت
ملأ السماء ووقفت له السحب التى كانت تسير فى دلال واهتزت الأرض واضطرب البحر ..
والشمس تصرخ عالية الله عليه .. الله عليه..
أخذ البحار يقلب فى ترددات الراديو ..
ويقلب بين قنواته والراديو يصدر أصواتا مشوشرة أحيانا وصفيرا متقطعا أحيانا أخرى
.. ثم فجأة خرج صوت مطرب مصرى وهو يغنى ..
النجمة مالت على القمر فوق فى العلالى ..
فيردد الكورال فوق فى العلالى..
فيردد المطرب قالته شايفه يا قمر أفراح
قبالى ..
فيردد الكورال أفراح قبالى
فيغنى المطرب قال القمر بينا نسهر على
المينا..
ده الموج فوق شط القنال سهران يلالى .. سهران
يلالى
فنظر الريس نور وهو يبتسم إلى المينا
وإلى النور الذى ينير في السماء فوجده القمر وهو يأتى مبتهجاً مسرعاً .. هلم يا نجمة
نلحق هذه الأغنية أنهم ينادوننا .. أبناء مصر الرجالة ينادوننا أن نسهر فوق شط
القناة ..
وشط القناة يرقص وهو يقول أهو القمر جاء
وأخته النجمة المنورة خد السماء جاءت معه .. هلم نقيم الأفراح.. هلم نقيمها للريس
نور الذى يعبر القناة.. للريس البطل الذى يقود مصر ويقود السلام ..
نظر الريس نور وهو يضحك عاليا وقد ظهرت
أسنانه البيضاء .. أحبكم جميعاً .. أحب القمر والشمس والمينا والقناة.. سمرتي من
سمائها .. قلبي الصافي من مياهها ..
أحبكم أحبكم وأمسك بعصاه التى يأخذها
معه أينما ذهب وكانت موجودة أمامه بجوار الدفة
وأخذ يحييى كل من يشارك أمامه فى هذه الزفة .. والبحار يقلب مؤشر الراديو
فيخرج صوت المطرب بأحلى كلمات قيلت على الإطلاق
تحيى الريس نور ..
عاش .. عاش اللى قال .. عاش اللى قال ..
الكلمة بحكمه وفى الوقت المناسب ..
عاش ..عاش ..عاش البطل..
فيضحك الريس نور وتدمع عينيه وهو يرى القناة حرة
نظيفة مشرقة كإشراقه الشمس التى كانت فوقها .. وهو يرى مصر تعبر البحر عالياً
عالياً في شموخ وكبرياء كما يريدها الريس نور وكما يريده لكل وطنه ..
فمصر قلب الأمة النابض ... وهى درة
الشرق .. وهى كل الشرق .. وإن رفض الشرق أو أبى الغرب.. ولن يرى الشرق بعدها نورا
أو كرامة وخرج الصوت أنا إن قدر الإله مماتي .. ولن يقدر الإله مماتها لأنه خلقها
مصر .. وإليها هرب الأنبياء وإليها أمرهم أن ينزلوا مصر .. ويهبطوا مصر إن شاء
الله آمنين فإن لهم فيها ما سألوا .. ولأى إنسان يهرب إلى مصر .. يهرب إلى العزة
والكرامة والفخر والشرف والأمان
ثم سمع الريس نور ..
وطني حبيبي الوطن الأكبر .. يوم وراء
يوم أيام أمجاده بتكبر بانتصاراته ملية حياته وطنى بيكبر وبيتكبر وطني وطني ..
الريس نور فى نفسه .. بالنصر يعلو الوطن
.. بمصر تأتى الكرامة ..وأنا ما خلقت إلا للنصر وما خلقت إلا لمصر وما خلقت إلا
للسلام .. السلام القائم على العدل ..
وأخذ المطربون يغنون والريس واقف على
قمة مركبه وهو ممسك بعصاه ويشير لهؤلاء الذين يراهم ولايراهم سواه فكل مصر أولاده .. هم كلهم عائلته وهو
كبيرها .. وأخذ يغنى بكل قلبه معهم .. يا أحلى إسم فى الوجود ويصرخ عاليا يامصر يا
إسم مخلوق للخلود يا مصر .. نعيش لمصر ونموت لمصر .. وأخذ يردد عاليا نعيش لمصر
ونموت لمصر ( ويكررها ثانية وثالثة ) ..
نموت لمصر .. مصر .. مصر .. تحيا مصر ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق